يعكف الكثير من المُتخلين عن الأخلاق الإنسانية في العالم الافتراضي الرقمي ليل نهار على ابتكار طرق ووسائل تساعدهم على كسب المال بطرق غير شرعية من خلال الابتزاز الإلكتروني، كانتحال شخصيةٍ مشهورةٍ تطلب .
قرضاً ماليا مؤقتا وسترجعه أضعافاً مضاعفةً، أو من خلال انتحال شخصية فتاةٍ حسناء تطلب التواصل ليس بالكتابة وحسب إنما بالصوت والصورة، وغيرها من الطرق التي لا تخطر على البال، وقد تعددت الأسباب والصور والأشكال والابتزاز واحد
إنَّ تعاليم الإسلام الحنيف تدعو إلى التحلي بالأخلاق الفاضلة دائمًا.. والستر على المسلمين أمر ضروري، ولا يحسبن أولئك الذين يقفون خلف وسائل التواصل الاجتماعي وأدوات التقنية من المبتزين عديمي الدين والأخلاق والقيم أنهم بعيدون عن مراقبة الله لهم، فالله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل.
قال الله تعالى:(وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)
ويعرف الابتزاز الإلكتروني بأنه: استخدام وسائل التقنية الحديثة للحصول على مكاسب مادية أو معنوية عن طريق الإكراه من شخص أو أشخاص أو حتى مؤسسات، ويكون ذلك الإكراه بالتهديد بفضح سر من أسرار المبتز بعد أن ينشب الجاني أنيابه على الضحية ويتمكن من جمع صور قد تكون فاضحة أو حتى مقاطع مصورة يكون مقابل عدم الفضيحة مبلغ مالي ضخم وإلا نشر الصور والفيديوهات.
ومثلما هناك أسباب تدفع الجاني لجريمة الابتزاز هناك أسباب كثيرة تجعل الشباب يقعون ضحايا للابتزاز من أبرزها قلة التوعية الدينية والرقمية، وضعف التنشئة الاجتماعية وانعدام الروابط الأسرية التي تجعل الشاب يقضي أغلب وقته في وسائل التواصل الاجتماعي، ثم الوقوع في المحظور بالوثوق بأشخاص لا يعرفهم أبداً في وسائل التواصل الاجتماعي، ثم يقوم بمشاركتهم الصور الخاصة ومعلومات وأسرار لا تفشى للقريب فكيف بالغريب .
والعواقب المترتبة على هذه الجريمة كثيرة، من أهمها: نشر الجريمة في المجتمع، والأضرار النفسية التي قد تصيب المجني عليه، وانتشار المجرمين الإلكترونيين.
ومن أجل تجنب الوقوع في هذه الجريمة على الجهات المُختصة بذل مزيد من الجهود في زيادة التوعية بين الطلبة في المدارس وفي مؤسسات التعليم العالي وإقامة الندوات والمحاضرات التي تستهدف المجتمع بكافة أطيافه وشرائحه بهدف إبراز مفهوم الابتزاز الإلكتروني وتوضيح خطورته الكبيرة جداً على الفرد بشكل خاص أو على المجتمع بشكل عام، كما يقع دور مهم على الأسرة في مراقبة الأبناء وعدم إعطائهم مساحة كبيرة من الحرية في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتثقيفهم دينياً ورقمياً، وإن تعرض أحدهم للابتزاز ما عليه إلا التواصل مع هيئة تنظيم الاتصالات وشرطة عمان السلطانية وقبل ذلك توثيق كل التهديدات وحفظها في جهاز منفصل لعدم محاولة الجاني التخلص من الدلائل التي تدينه.
أما أولئك الذين اعتادوا على إعادة نشر كل ما يصل إليهم من صور أو مقاطع فيديو أو رسائل مخلة بالأدب العام دون التدقيق فيها وتمحيصها فهم مشاركون في الابتزاز بطريقة غير مُباشرة.
من أجل ذلك ينبغي عليهم عدم المشاركة في مثل هذه الجرائم البشعة، وأن يحذروا كل الحذر من أن يكونوا أدوات لنشر فيديوهات وصور ومقاطع لضحايا الابتزاز الإلكتروني في وسائل التواصل الاجتماعي باختلاف أنواعها.
ولا يغرنك أخي الكريم أنك لم تقع في مصيدة الابتزاز الإلكتروني بحكمتك وعقلك فقط ...بل ذلك بفضل الله وكرمه وحده عليك.. فكل شيء لا يكون إلا بإذنه، ولا يمضي إلا بحكمه وحده، فكن إماماً للخير وﻻ تكن إماماً للشر.. واستر على من ضعف الضحية.. وكن عوناً له ولا تكن عوناً عليه... واحتسب ذلك مرضاةَ لله وطلبا لستره عليك يوم تجلى الأسرار وتكشف الملفات المغلقة.
قال الشاعر:
وما من كاتب إلا سيفنى *** ويبقي الله ما كتبت يداه.
فلا تكتب بخطك غير شيءٍ *** يسرك في القيامة أن تراه.
وفي حديث صحيح رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي – عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة)
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة).
فهذا هو المشروع، إذا رأى الإنسان من أخيه في الله عورة يعني معصية فلا يفضحه ولا ينشرها بين الناس، بل يسترها عليه وينصحه ويوجهه إلى الخير ويدعوه إلى التوبة إلى الله من ذلك ولا يفضحه بين الناس.
ومن فعل هذا وستر على أخيه ستره الله في الدنيا والآخرة، لأن الجزاء من جنس العمل. غير أنه ليس محلاً للستر من أظهر فاحشته وأعلنها كأولئك الذين يجاهرون بالمعصية ـ والعياذ بالله ـ ولا يستحون من إظهارها بين الناس، فهؤلاء قد فضحوا أنفسهم بأنفسهم، فهم ليسوا محلاً للستر، كالذي يشرب الخمر بين الناس ـ عافانا الله وإياكم ـ في الأسواق والاجتماعات والأماكن العامة، لأنَّ هذا قد فضح نفسه فلا يعتبر جديراً بالستر.
نسأل الله العافية، والستر علينا وعلى جميع المسلمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق